تُطرَح الانتخابات عادةً كعنوان رئيسي في مراحل ما بعد النزاعات المسلحة، بوصفها أداةً لاستعادة الشرعية وبداية مرحلة جديدة من الحكم. لكن التجارب الانتقالية، وعلى رأسها التجربة الليبية بعد عام 2011، تكشف أن الانتخابات المبكرة في ظل غياب الإجماع على الدولة، وضعف المؤسسات، والانقسام المجتمعي، وانتشار السلاح، قد تُعيد إنتاج الصراع. ففي ليبيا، لم تُفضِ صناديق الاقتراع إلى حكم تشاركي، بل عمّقت الاستقطاب، وحوّلت السياسة إلى امتدادٍ للصراعات الفصائلية.
في مقال نشره الباحث مزيد الكريدي بالشراكة مع مؤسسة لوغاريت بعنوان:
“الانتخابات في سياق ما بعد النزاع: دروس من ليبيا وتحذيرات لسورية”.
ناقش فيه مخاطر الدفع نحو انتخابات مبكرة في سورية دون استكمال الشروط السياسية والمؤسساتية اللازمة لضمان تمثيل حقيقي لإرادة السوريين. فعلى الرغم من أن السلطة الانتقالية اتجهت نحو تأجيل الانتخابات، فإن التأجيل وحده ليس كافياً. ما نحتاجه هو تفعيل آليات توافقية لتشكيل السلطة التشريعية، تتيح المجال لقوى إصلاحية جديدة، وتُطمئن الخاسرين المحتملين من خلال ضمان مشاركتهم، مما يُخفف من احتمالات العودة إلى العنف.
في هذا السياق، تطرح المادة (24) من الإعلان الدستوري السوري، والمرسوم رقم (66) الذي شكّل بموجبه الرئيس الانتقالي (أحمد الشرع) لجنة عليا للانتخابات، إشكالات جوهرية، إذ تمنح الرئيس سلطة تشكيل اللجنة دون معايير شفافة أو تمثيل حقيقي، ما يُهدد بإعادة إنتاج نمط الإدارة الأحادية، ويقوّض الثقة الشعبية. إن الافتقار إلى التعددية، وغياب الكفاءات، واستبعاد قوى المعارضة والمجتمع المدني، يجعل من هذه البنية أداةً سياسية، لا إطاراً حيادياً لتشكيل سلطة تشريعية تمثيلية. إن مستقبل العملية السياسية في سورية مرهون بإعادة النظر في هذه الترتيبات، وتبنّي إصلاحات مؤسساتية شاملة وبمشاركة كافة الأطراف، لضمان مسار سياسي يُفضي إلى استقرار حقيقي، لا مجرد مظهر انتخابي يُعيد توزيع السلطة بين القوى المهيمنة.