قراءة في الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترامب لمراجعة العقوبات على سورية

أولاً: مقدمة: السياق التاريخي والسياسي للأمر التنفيذي

في 30 حزيران 2025، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بإنهاء “حالة الطوارئ الوطنية” المفروضة على الجمهورية العربية السورية منذ عام 2004، والتي كانت تُشكّل الإطار القانوني لعقوبات شاملة فرضتها الولايات المتحدة على سورية لعقود. ويُعدّ هذا القرار تحولاً استراتيجياً جذرياً في السياسة الأميركية تجاه دمشق، بالنظر إلى أن المقاربة السابقة كانت تستند إلى نهج قائم على العزل والعقوبات منذ سبعينيات القرن الماضي، وتحديداً بعد تزايد اتهامات واشنطن لدمشق برعاية الإرهاب وزعزعة الاستقرار الإقليمي. 

وفي موازاة إلغاء حالة الطوارئ القديمة، نصّ الأمر التنفيذي ذاته على توسيع نطاق حالة الطوارئ الوطنية المُعلنة سابقاً في عام 2019 بموجب الأمر التنفيذي رقم 13894، من خلال إدخال تعديلات تُتيح فرض عقوبات جديدة على الأفراد والكيانات المتورطة في جرائم حرب، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو المشاركة في شبكات الاتجار بالمخدرات، لا سيما تلك التي ارتبطت بنظام بشار الأسد. 

جدير بالذكر أن العقوبات الأميركية على سورية منذ عام 2004 استندت إلى اعتبار النظام السوري تهديداً للأمن القومي الأميركي والأمن الإقليمي على حدّ سواء، نتيجة ممارساته الداخلية والإقليمية، وارتكابه لانتهاكات حقوقية واسعة، إضافة إلى استخدامه الأسلحة الكيميائية. وقد تم تعزيز تلك العقوبات مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث أُصدرت سلسلة من الأوامر التنفيذية التي وسّعت من نطاق العقوبات لتشمل كبار المسؤولين في النظام السوري، وكيانات اقتصادية ومؤسسات حكومية، وشملت تدابير مثل تجميد الأصول، ومنع التصدير والاستثمار، وفرض قيود على القطاعات الحيوية للدولة. 

وقد أدت هذه العقوبات إلى خنق الاقتصاد السوري وعزله عن النظام المالي الدولي، كجزء من استراتيجية أوسع لعزل النظام دبلوماسياً وتقويض قدراته العسكرية. إلا أن التحولات الجيوسياسية التي طرأت في المنطقة، وسقوط نظام بشار الأسد، وصعود قيادة سورية جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بالإضافة إلى استمرار الأزمة الإنسانية وتغير أولويات السياسة الأميركية، دفعت واشنطن إلى مراجعة شاملة للجدوى الاستراتيجية من استمرار العمل بالعقوبات الشاملة. 

وعليه، فإن الأمر التنفيذي الصادر في يونيو 2025 يُعدّ تتويجاً لعملية تقييم موسعة داخل الإدارة الأميركية، تهدف إلى إعادة هيكلة أدوات العقوبات بطريقة تعكس متطلبات المرحلة الجديدة، مع الحفاظ على آليات المساءلة ضد مرتكبي الانتهاكات الكبرى. كما يعكس القرار تحولاً مدروساً من سياسة “التضييق الشامل” التي ميّزت العقوبات التقليدية، إلى مقاربة أكثر مرونة وتكيفاً مع الواقع السياسي والإنساني في سورية، تقوم على مبدأ “الاستهداف الدقيق” لانتهاكات محددة، بالتوازي مع تشجيع إعادة اندماج سورية في المنظومة الدولية في حال التزامها بالإصلاحات المطلوبة.

ثانياً: المفاعيل القانونية والسياسية للأمر التنفيذي الصادر في حزيران 2025

أعاد القرار ضبط الإطار القانوني والتنظيمي للعقوبات الأميركية، من خلال إلغاء عدد من الأوامر التنفيذية السابقة، وتخفيف القيود المفروضة على التجارة والاستثمار، دون التخلي عن أدوات المحاسبة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب. وشملت المفاعيل العملية للقرار تعديلات جوهرية في مجالات العقوبات، والتنظيم الاقتصادي، وقوائم العقوبات، بما يعكس انتقالاً مدروساً في السياسات الأميركية نحو دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في سورية، من دون التخلي عن الالتزامات الأخلاقية والأمنية المرتبطة بمحاسبة النظام السابق وشبكاته الإقليمية والدولية.

  1. إلغاء الأوامر التنفيذية السابقة

نص القرار على إلغاء ستة أوامر تنفيذية صدرت بين عامي 2004 و2011، كانت تشكل الأساس القانوني للعقوبات المفروضة على النظام السوري وشبكاته الداعمة، وهي كما يلي:

  • الأمر التنفيذي رقم 13338 (11 أيار 2004): فرض عقوبات أولية شملت تجميد ممتلكات ومنع تصدير سلع معينة إلى سورية.
  • الأمر التنفيذي رقم 13399 (25 نيسان 2006): وسّع العقوبات لتشمل أفرادًا إضافيين على خلفية التهديدات المرتبطة بحالة الطوارئ الوطنية.
  • الأمر التنفيذي رقم 13460 (13 شبلط 2008): أدرج مزيداً من الشخصيات السورية ضمن قوائم العقوبات استنادًا إلى تهديدات مشابهة.
  • الأمر التنفيذي رقم 13572 (29 نيسان 2011): استهدف منتهكي حقوق الإنسان مع اندلاع الثورة السورية.
  • الأمر التنفيذي رقم 13573 (18 أيار 2011): فرض عقوبات مباشرة على كبار المسؤولين السوريين.
  • الأمر التنفيذي رقم 13582 (17 آب 2011): حظر ممتلكات الحكومة السورية ومنع عدد من المعاملات الاقتصادية معها.
  1. التعديلات على القوانين الفدرالية ذات الصلة

أدخل الأمر التنفيذي تعديلات تتعلق بقوانين أميركية أخرى تؤطر سياسة العقوبات، أبرزها:

  • قانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية: تم تفويض وزير الخارجية بإصدار تقرير خلال 20 يوماً يُفضي، عند اكتماله، إلى التنازل عن العقوبات المفروضة سابقاً بموجب هذا القانون على خلفية استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية.
  • قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سورية: طُلِب من وزير الخارجية مراجعة بنود القانون وتقديم توصية بشأن تعليق أو تعديل العقوبات المفروضة بموجبه، بما يعكس التغيرات السياسية على الأرض.
  1. تحديث قوائم العقوبات وتخفيف القيود التنظيمية

وجّه القرار وزارة الخارجية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) بمراجعة قوائم العقوبات الأميركية، بما في ذلك قائمة الأشخاص المصنفين خصيصًا(SDN)، عبر حذف عدد كبير من الأفراد والكيانات، وتحديث أو تعديل تسميات أخرى.

وقد رُفعت العقوبات عن 518 فرداً وكياناً، ما اعتُبر خطوة تمهيدية ضرورية لدعم الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، وإتاحة بيئة قانونية للاستثمار والتنمية وإعادة الإعمار.

في المقابل، صنّف مكتب 133 (OFAC) فرداً وكياناً جديداً بموجب الأمر التنفيذي المعدّل رقم 13894، توزعوا على ثماني فئات، أبرزها:

  • مسؤولون سابقون في نظام الأسد (47 شخصاً).
  • أشخاص يعملون لصالح مسؤولين سابقين (شخص واحد) 
  • أشخاص يهددون السلام والأمن والاستقرار في سورية (3 أشخاص) 
  • المنخرطون في تجارة الكبتاغون (11 شخصاً) 
  • أشخاص وكيانات قدموا دعماً مادياً للنظام السابق (6 أفراد و13 كياناً)
  •  داعمون لأشخاص خاضعين للعقوبات (2 أفراد وكيان واحد)
  •  أشخاص تابعون أو خاضعون لسيطرة أفراد خاضعين للعقوبات (7 أفراد و40 كياناً) 
  • أفراد من أسر أشخاص خاضعين للعقوبات (شخصان)
  1. تعزيز الأطر التنظيمية لتخفيف القيود التجارية

أقرّ القرار دعم آليات “تخفيف القيود” عبر دعم التراخيص والتفويضات التنظيمية، كان أبرزها الترخيص العام (GL25)، الصادر عن (OFAC) في 23 أيار 2025، والذي شكّل تحوّلاً واسع النطاق في تطبيق العقوبات. سمح هذا الترخيص بما يلي:

  • الاستثمار الجديد في قطاعات مثل البنية التحتية والتعليم والرعاية الصحية.
  • تقديم الخدمات التي كانت محظورة، لا سيما في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا والإنشاءات.
  • التعامل المباشر مع الحكومة السورية الجديدة، وبعض الكيانات التي كانت خاضعة للعقوبات سابقاً، وفقاً لشروط محددة.
  • استيراد وتصدير المنتجات البترولية السورية، بما في ذلك النفط الخام ومشتقاته.
  • تنفيذ المعاملات المالية، بما في ذلك فتح حسابات للبنك التجاري السوري بالتنسيق مع هيئة مكافحة الجرائم المالية (FinCEN)
  1. استمرار الضوابط على تصدير التكنولوجيا والمعدات العسكرية

رغم الاستثناءات التي منحها الترخيص 25، لا تزال معظم المعاملات مع سورية تتطلب تصاريح أو تراخيص مسبقة، بحسب نوع السلع أو الخدمات المعنية.

ورغم التعديلات الجوهرية، لا تزال سورية خاضعة لضوابط تصدير أميركية صارمة بموجب قانون تنظيم الصادرات (EAR)، الذي يشمل السلع ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري). وتُنفذ هذه الضوابط عبر وكالتين:

  • مكتب الصناعة والأمن :(BIS) يتولى مراقبة تصدير المنتجات الحساسة لأسباب أمنية.
  • مكتب التراخيص التجارية والدفاعية :(DDTC) يشرف على تراخيص تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، ويمنع تصدير أي مواد دفاعية بدون إذن خاص.
  1.  الإبقاء على آليات المساءلة والمحاسبة والحفاظ على العقوبات المفروضة على الأسد وبعض الجهات الفاعلة الإقليمية المزعزعة للاستقرار

أوضح الأمر التنفيذي أن إنهاء حالة الطوارئ الوطنية لا يؤثر على:

  • أي إجراءات قانونية أُطلقت قبل 1 تموز 2025.
  • أي مخالفات ارتُكبت قبل هذا التاريخ.
  • العقوبات التي فُرضت نتيجة أفعال سابقة.

كما نصّ على وجوب اتخاذ تدابير إضافية لضمان محاسبة الفاعلين المسؤولين عن:

  • جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان.
  • تجارة المخدرات، لا سيما الكبتاغون.
  • تقويض السلام الإقليمي، بما في ذلك الجهات المرتبطة بإيران ووكلائها.

وقد وسّع الأمر التنفيذي رقم 14142 (15 كانون ثاني 2025) نطاق القرار رقم 13894 (14 تشرين أول 2019)، ليشمل معايير موسّعة للعقوبات على مرتكبي الانتهاكات، سواء داخل النظام السوري السابق أو من بين حلفائه الإقليميين.

  1. تسميات مكافحة الإرهاب وإعادة تقييم تصنيف سورية كدولة راعية للإرهاب:

نص الأمر التنفيذي الجديد على مراجعة بعض التصنيفات الجوهرية المرتبطة بمكافحة الإرهاب: 

  • وجه وزير الخارجية بالتشاور مع وزير الخزانة والنائب العام باتخاذ الإجراءات المناسبة فيما يتعلق بتسمية “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) كمنظمة إرهابية أجنبية بموجب قانون الولايات المتحدة. ويُبقي هذا التصنيف، في حال اعتماده، الهيئة تحت طائلة العقوبات المالية والدبلوماسية المشددة، بما في ذلك تجميد الأصول، ومنع أي معاملات مالية أو تجارية معهم، واستمرار خضوعهم لرقابة قانونية وأمنية صارمة، انسجاماً مع سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية والدولية.
  • نصّ القرار على تكليف وزير الخارجية الأميركي بإجراء مراجعة شاملة لتقييم ما إذا كان استمرار إدراج الجمهورية العربية السورية ضمن قائمة “الدول الراعية للإرهاب” لا يزال يستوفي المعايير القانونية المطلوبة، في ضوء التحولات السياسية الجوهرية التي شهدتها البلاد، وبخاصة انتقال السلطة وتشكيل حكومة جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. 

وتهدف هذه المراجعة إلى التحقق من مدى تغيّر المعطيات التي أدّت إلى هذا التصنيف في الأساس، ومدى التزام القيادة السورية الجديدة بمبادئ القانون الدولي، لا سيما ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، واحترام حقوق الإنسان، والامتناع عن دعم الجماعات المسلحة العابرة للحدود. وتمثّل هذه الخطوة – وإن كانت قانونية في ظاهرها – مؤشراً دبلوماسياً مهماً قد يُمهّد لرفع التصنيف عن سورية في حال ثبت أن الظروف قد تغيرت بشكل جذري، وهو ما من شأنه أن يفتح الباب أمام رفع مزيد من العقوبات واستعادة العلاقات الثنائية والاقتصادية مع المجتمع الدولي، ضمن إطار سياسي مرهون بحزمة من الالتزامات القانونية والأخلاقية.

ثالثا: الاشتراطات السياسية والقانونية لرفع العقوبات وإعادة ضبط العلاقة مع سورية

تبنّت الولايات المتحدة مقاربة تدريجية لإعادة النظر في نظام العقوبات المفروض على البلاد. وقد نصّ الأمر التنفيذي الصادر في 30 حزيران 2025 على أن الظروف التي أدّت إلى فرض العقوبات سابقاً قد تغيّرت بشكل جوهري، نتيجة لسلوك النظام الجديد وإجراءاته الإصلاحية، الأمر الذي يُبرّر اتخاذ خطوات عملية لتعديل السياسة الأميركية تجاه دمشق. تقوم هذه السياسة على مبدأ رفع العقوبات وإعادة تخفيف الضوابط التجارية والمالية وفق اشتراطات واضحة، وضمن أطر مؤسساتية محددة تشمل وزارة الخارجية ووزارة الخزانة ووزارة التجارة الأميركية، بالتنسيق مع سائر الوكالات التنفيذية المختصة. وتهدف هذه المقاربة إلى دعم استقرار سورية ووحدتها، ودمجها في المنظومة الإقليمية والدولية، شريطة عدم تقديم أي تسهيلات أو إعفاءات لمن ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو للجهات المصنفة كمنظمات إرهابية، أو لأولئك المتورطين في استخدام الأسلحة الكيميائية.

  1. الاشتراطات العامة للسياسة الأميركية تجاه سورية

تؤكد الولايات المتحدة أن أي تحول في علاقاتها مع سورية يجب أن يتم وفق رؤية واضحة تستند إلى معايير قانونية وسياسية وأخلاقية متسقة. وفي هذا السياق، تلتزم واشنطن بدعم قيام دولة سورية موحدة ومستقرة، لا تُشكل تهديداً لجوارها الإقليمي، ولا توفر ملاذاً للمنظمات الإرهابية أو الجهات المتورطة في أنشطة غير مشروعة، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان أو استخدام الأسلحة الكيميائية أو الضلوع في أنشطة انتشار الأسلحة المحظورة. كما تشدد على أهمية حماية الأقليات الدينية والعرقية، وضرورة وجود مؤسسات سياسية وقضائية ضامنة للحقوق والحريات.

وبناءً عليه، فإن أي تخفيف في العقوبات الاقتصادية، أو القيود المفروضة على التجارة والاستثمار، أو في ضوابط التصدير، سيُقاس بمدى التزام السلطات السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع بمجموعة من الالتزامات الأساسية: 

  • مكافحة الإرهاب
  • احترام القانون الدولي 
  • نبذ السياسات القمعية التي انتهجها النظام السابق
  • الانخراط الجاد في عملية سياسية وطنية تستند إلى العدالة والمساءلة. 
  1. شروط قانون قيصر لرفع أو تعليق العقوبات

ضمن هذا الإطار، يلعب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية دوراً محورياً في هيكلة السياسة العقابية الأميركية. وبموجب ما ينص عليه هذا القانون، يملك وزير الخارجية، بالتشاور مع وزير الخزانة، صلاحية تعليق فرض العقوبات كلياً أو جزئياً، شريطة التأكد من استيفاء الحكومة السورية لشروط محددة نصّت عليها المادة 7431 (أ). وفي حال تقرر تعليق العقوبات، يجب تقديم إحاطة رسمية إلى لجان الكونغرس المختصة خلال 30 يوماً، ويجوز تجديد هذا التعليق كل 180 يوماً.

وتتضمن شروط رفع العقوبات وفق المادة 7431 (أ) من قانون قيصر سبعة معايير أساسية:

  • وقف القصف الجوي على المدنيين، بما في ذلك الامتناع عن استخدام البراميل المتفجرة أو الأسلحة الكيميائية.
  • تأمين ممرات إنسانية آمنة تتيح إيصال المساعدات وتنقل المدنيين دون عوائق.
  • الإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح للمنظمات الحقوقية الدولية بالوصول إلى السجون وتفتيشها.
  • وقف استهداف المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس والأسواق، وضمان احترام القانون الإنساني الدولي.
  • الامتثال للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحظر الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وتقديم أدلة ملموسة على ذلك.
  • ضمان عودة اللاجئين والنازحين بشكل طوعي وآمن وكريم إلى مناطقهم الأصلية.
  • إطلاق عملية عدالة ومحاسبة وطنية مستقلة تحقق في جرائم الحرب والانتهاكات الحقوقية التي وقعت خلال فترة النزاع.

ويُشكل هذا التوجه في القرار جزءاً من التحول المنهجي في السياسة الخارجية الأميركية، حيث لم يعد التركيز على الردع والعقاب فحسب، بل أيضاً على ربط الانفتاح الدولي بالإصلاح السياسي والمؤسسي العميق. ولا يمثل استيفاء هذه الشروط مجرد استجابة لمطالب أميركية، بل هو بمثابة مدخل ضروري لإعادة بناء الشرعية السياسية والدستورية للدولة السورية، وتمهيد الطريق لعودة سورية إلى المجتمع الدولي ضمن نظام قائم على القانون والشفافية.

رابعاً: الآليات الإدارية والقانونية لتنفيذ القرار التنفيذي وتعليق العقوبات

يعتمد تنفيذ الأمر التنفيذي المتعلق بتعديل السياسة تجاه سورية على منظومة معقدة من الإجراءات الإدارية والقانونية، تتطلب تنسيقاً عالي المستوى بين عدد من الوزارات والوكالات الفيدرالية. وفي هذا السياق، يتولى وزير الخارجية الأميركي، بوصفه المسؤول الأول عن السياسة الخارجية، قيادة عملية المراجعة السياسية التي تُعدّ شرطاً أساسياً لتفعيل القرار التنفيذي، خصوصاً فيما يتعلق بتعليق العقوبات المفروضة بموجبه. وتشمل مسؤولياته إصدار تقييمات رسمية بشأن تغير طبيعة القيادة السورية، والتأكد من مدى التزام الحكومة الجديدة بالمعايير الدولية في مجالات حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب، والأسلحة الكيميائية.

ويُشارك وزير الخارجية في هذه المهام عدد من الوزراء المعنيين:

  • وزير الخزانة: يتولى إدارة آليات تنفيذ العقوبات المالية، وتنسيق السياسات المتعلقة بتجميد الأصول والقيود على المعاملات الدولية.
  • وزير التجارة: يُشرف على ضبط تصدير السلع والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج (المدني والعسكري)، ويُحدد المواد المحظورة أو الخاضعة لترخيص خاص.
  • وزير النقل: يُستشار في المسائل المرتبطة بالشحن والنقل الدولي، لا سيما تلك المتعلقة بالمساعدات الإنسانية أو التجارة العابرة.

تُخوّل هذه الوزارات، مجتمعة، وضع القواعد واللوائح التنظيمية لتطبيق القرار التنفيذي، كما تُمنح صلاحية إعادة تفويض بعض المهام إلى الهيئات والوحدات الداخلية ضمن كل وزارة، ما يُتيح مرونة أكبر في التنفيذ والتكيف مع التغيرات السياسية والميدانية.

  1. حدود القرار التنفيذي واختصاص الكونغرس في رفع العقوبات

من المهم التمييز بين تعليق العقوبات بموجب صلاحيات الرئيس التنفيذية، ورفعها الكامل والدائم، خاصة تلك المفروضة بموجب قوانين تشريعية نافذة مثل:

  • قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية.
  • قانون محاسبة سورية.
  • قانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية.

إذ إن هذه القوانين تُعد تشريعات مُلزِمة صادرة عن الكونغرس الأميركي، ولا يمكن رفع العقوبات المنصوص عليها فيها بشكل نهائي إلا عبر تصويت تشريعي جديد في الكونغرس. أما القرار التنفيذي فيقتصر على تعليق مؤقت سواء كان كامل أو جزئي لهذه العقوبات، بشرط استيفاء شروط منصوص عليها قانوناً، مع التزام السلطات التنفيذية بإحاطة اللجان البرلمانية المختصة بالتقارير والتقييمات المطلوبة، وإتاحة فترات مراجعة تتراوح بين 20 إلى 30 يوماً بحسب القانون.

  1. الدور المحوري لوزير الخارجية في تنفيذ القرار:

يتعين على وزير الخارجية، بالتشاور مع وزير الخزانة، تقديم تقارير دورية إلى الكونغرس لتبرير استمرار التعليق أو اقتراح إعادة فرض العقوبات، خاصة بموجب المادة 7431 (أ) من قانون قيصر. وتُجدد فترة التعليق كل 180 يوماً، ما لم يطرأ تغيير على الوضع السياسي والحقوقي في سورية.

أما في حالة قانون الأسلحة الكيميائية والبيولوجية، فإن تنفيذ قرار التنازل عن العقوبات لا يدخل حيز النفاذ إلا بعد مضي 20 يوماً من إخطار الكونغرس، ما يضمن الرقابة التشريعية على القرارات التنفيذية ذات الأبعاد الاستراتيجية.

علاوة على البُعد التنفيذي المحلي، يؤدي وزير الخارجية دوراً محورياً في إدارة الملف السوري على الصعيد الدولي، لا سيما في أروقة الأمم المتحدة. وتُناط به مسؤولية تقييم فرص تخفيف العقوبات الأممية أو إعادة إدماج سورية في النظام الدولي، بالتنسيق مع الحلفاء والمؤسسات متعددة الأطراف، بما يتوافق مع التوجه الأميركي الجديد، شريطة تحقق الشروط السياسية والحقوقية الأساسية.

الخلاصة: 

جاء الأمر التنفيذي الصادر عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 30 حزيران 2025 تاكيدأ على التحوّل النوعي في السياسة الأميركية تجاه سورية، ويُمثّل نقطة مفصلية في العلاقة بين واشنطن ودمشق بعد أكثر من عقدين من العقوبات الشاملة والعزل السياسي. فمن خلال إنهاء “حالة الطوارئ الوطنية” المفروضة منذ عام 2004، وإعادة هيكلة منظومة العقوبات عبر توسيع الأمر التنفيذي رقم 13894، انتقلت السياسة الأميركية من مقاربة تقوم على التضييق الشامل إلى استراتيجية أكثر مرونة واستهدافاً، تأخذ بعين الاعتبار التغيّرات السياسية والإنسانية الحاصلة في الداخل السوري. 

في المقابل، تُبيّن بنود القرار أن هذا التحول لا يُمثل تخفيفاً شاملاً أو غير مشروط، بل هو مشروط بتطورات ملموسة، مثل تغيير نهج القيادة السورية، وبدء عملية وطنية للمحاسبة، وتحسن مؤشرات حقوق الإنسان، واحترام الالتزامات الدولية. وبالرغم من إلغاء عدد من الأوامر التنفيذية السابقة ورفع بعض العقوبات، إلا أن القرارات المرتبطة بقوانين “قيصر”، و”الأسلحة الكيميائية”، و”محاسبة سورية” لا تزال قائمة من الناحية القانونية، ولا يمكن رفعها بشكل نهائي إلا من خلال تشريع يصدر عن الكونغرس، ما يضع حدوداً واضحة لصلاحيات السلطة التنفيذية في هذا السياق. كما أن الأدوار المنوطة بكل من وزير الخارجية، ووزير الخزانة، ووزير التجارة، تعبّر عن هندسة مؤسسية دقيقة تهدف إلى ضمان الرقابة والفعالية والمرونة في تنفيذ القرار، مع الالتزام الكامل بمبادئ الأمن القومي، والامتثال للقوانين الدولية، وعدم تقديم الدعم غير المباشر لأي أطراف تنتهك حقوق الإنسان أو ترتبط بالإرهاب أو بالأسلحة المحظورة. 

وفي ضوء ما سبق، يُعد هذا الأمر التنفيذي إجراءً مرحلياً ومعقداً، يوازن بين الضرورات السياسية والإنسانية، ويؤسس لإطار أميركي جديد في التعامل مع سورية بعد نهاية عهد بشار الأسد، يُبقي على آليات المحاسبة، ويمنح في الوقت ذاته فرصة حذرة لإعادة دمج سورية تدريجياً في النظام الإقليمي والدولي. وهو بذلك يُكرّس تحوّلًا من سياسة العزل المفتوح إلى سياسة مشروطة لإعادة التكيّف مع واقع جديد، تتداخل فيه الأبعاد القانونية، والإنسانية، والجيوسياسية.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *